منوعات

لماذا نذرفُ دموع الفرح؟ وماذا يقدّم لنا البكاء السعيد؟/ جانيس زيكفيلد

تطرح بعض مقاطع الفيديو على يوتيوب اختبارًا بسيطًا: شاهدْ هذا الفيديو وحاول ألا تبكي. عادة، يكون لهذه المقاطع عناوين مثل: “99% منكم سوف يبكون”، أو “تحدّي عدم البكاء”، وهي تعرض مشاهد مؤثرة عن المرض، الموت، والفقدان. إلا أن صيغًا أخرى من التحدي تصوّر مشاهد إيجابية: تصرفاتُ لطف غير مشروط، حيوانات ظريفة، جنود يلتقون بعائلاتهم بعد فراق. وفي حقيقة الأمر، هذه الفكرة ليست جديدة: عام 1649، قال الفيلسوف الفرنسي، رينيه ديكارت، إننا لا نبكي لنعبّر عن مشاعر الألم، الحزن، أو البؤس، وحسب، بل لنعبّر أيضًا عن حالات إيجابية، كالحب، أو الفرح. كذلك، قدّم الأدب توصيفات عديدة لدموع إيجابية؛ سواء أكان ذلك في الاجتماع بتليماخوس من جديد في أوديسة هوميروس، أو في الولادة العجائبية لطفل في رواية تولستوي “آنا كارنينا” (1878).

دموع الفرح أمر شائع. وقد أجريت أنا وزملائي مؤخرًا استطلاعًا لأكثر من 3500 شخص بالغ من 19 بلدًا مختلفًا، وقد قال 68% منهم إنهم بكوا بسبب حوادث إيجابية مرة في الشهر على الأقل. مع هذا، نلاحظ أن الدراسة العلمية لدموع الفرح قد جرى إهمالها، قبل هذه التجربة، على نحو يبعث على الدهشة؛ إذ قلما تجاوزت الذكر الحكائيّ السريع بأن الناس قد يبكون لأسباب إيجابية أيضًا.

علاوة على ذلك، زعم بعض منظريّ التحليل النفسي الأوائل أن الدموع الإيجابية ليست أبدًا تعبيرًا عن سعادة صرفة، بل إنها ترتبط دائمًا بشعور سلبيّ يحدث بالتوازي معها، أو تم تأجيله من وقت سابق. على سبيل المثال، لا يبكي الأب في زفاف ابنته لأنها لحظة عاطفية مؤثرة، بل لأنه يشعر بأنه يفقدها، أو لأنه يشعر بالقلق من أنها تتجه نحو مستقبل مجهول. لكنّ هذه النظرية غير مدعومة بما يكفي من الأدلة. وقد أظهرت دراسة حديثة أن بعض البشر يبكون بالفعل عندما تتملّكهم مشاعر إيجابية وسلبية في الآن ذاته؛ كما أن هنالك أمثلة عديدة ليس البكاء السعيد فيها مرتبطًا بأي مشاعر سلبية.

لقد أردنا، كباحثين، أن نفهم على نحو أفضل الحالات التي يذرف فيها الناس دموع الفرح. ولأجل ذلك، طلبنا من أكثر من 13000 شخص بالغ في أربعين دولة مختلفة أن يخبرونا عن الحالات التي جعلتهم يبكون من الفرح، فوصفوا لنا أكثر من 1500 حادثة متباينة. وعندما حلّلنا هذه الإجابات، وجدنا أنه يمكن تصنيف دموع الفرح إلى أربع فئات محددة (على الأقل).

الفئة الأولى هي “دموع الإنجاز”، وتحدث عندما يُظهر الشخص مهارة أو أداءً استثنائيًّا، أو يحقق نجاحًا مستَحقًّا، أو يتغلّب على عقبة كبيرة. وقد يشمل هذا ربحَ ميدالية أولمبية، القبولَ في برنامج دراسيّ مرموق، أو الشفاء من مرض شديد. بالإضافة إلى ذلك، قد تنطوي هذه الفئة من الدموع على شعورٍ بالاعتزاز إزاء إنجاز المرء ذاته، أو شعورٍ بالإعجاب عند النظر إلى إنجازات الآخرين.

ثانيًا، “الدموع العاطفية”، وتحدث عندما يختبر الشخص، أو يلاحظ، إحساسًا خاصًا بالقرب والحميمية، أو شعورًا بالتشارك. ومن الأمثلة النموذجية عن هذا النوع: الاجتماع من جديد بصديق لم تره منذ سنوات، أو حمل طفلك المولود حديثًا لأول مرة. كذلك، هذه الدموع هي جزء من شعور الـ “كاما موتا”؛ حالة مكثفة من الشعور يحرّكها الحب. وبالإضافة إلى دموع الإنجاز، الدموع العاطفية هي من أكثر أشكال دموع الفرح شيوعًا: وجدنا أن 84% من الحوادث التي رواها المشاركون في التجربة تنتمي إما لدموع الإنجاز، أو الدموع العاطفية، أو كليهما معًا (على سبيل المثال، إن تأمل إنجاز هامٍ قام به ولدك يمكن أن ينطوي على إحساس بالإنجاز وشعورٍ بالعاطفة في الآن ذاته).

ثالثًا، “دموع الجمال”، ويذرفها الناس عندما يشاهدون بهاءً مميزًا، أو فنيّة استثنائية في الطبيعة، الموسيقى، الفنون البصرية، أو الشعر. الاستمتاع بمنظر مبهرٍ للجبال في حديقة عامة، أو الاستماع إلى أداء موسيقي ساحر هي أمثلة عن هذه الفئة من الدموع. ويترافق هذا النوع غالبًا مع مشاعر رهبة، إعجاب، أو ذهول، كما قد يختبر الناس في كثير من الأحيان رعشاتٍ مبهجة، أو قشعريرة.

أخيرًا، “دموع التسلية”، وتحدث عندما يختبر الشخص شيئًا ظريفًا، أو كوميديًا، حدّ أنه يغدو من الصعب عليه أن يكبح دموعه. (في الحقيقة، بعض مقاطع “تحدي البكاء” على يوتيوب تطلب من المشاهد ألا يبكي أثناء الضحك). إن مشاهدة فقرة كوميدية على الخشبة (أو ما يُدعى بـ”ستاند أب كوميدي”)، أو الاستماع إلى نكتة بسيطة ومضحكة قد يثير الإحساس بالتسلية إلى درجة البكاء، تمامًا كما قد يفعل تشارك الضحك مع الأصدقاء حول لا شيء محدد على الإطلاق. كذلك، تترافق هذه الدموع مع شعورٍ بالخفة، الابتهاج، والمتعة.

بالإضافة إلى ذلك، وجدنا أن أنواع الدموع الأربعة هذه مرتبطة بمشاعر وتصرفات ناتجة عنها. على سبيل المثال، يبدو أن دموع الإنجاز تزيد اعتداد الناس بذواتهم، أو تحثّهم على الاقتداء بمثلهم الأعلى؛ في حين أن دموع الجمال توسّع عقول الناس وتحفّز التأمل؛ والدموع العاطفية تحفّز الترابط بين البشر، أمّا دموع التسلية فتؤدي إلى ممارسة سلوكٍ مرح.

غير أنّ بحثنا حول دموع الفرح يلتمس جوابًا لسؤالٍ أكبر: لماذا يذرف البشر دموعًا مليئة بالمشاعر على أية حال؟ أليس من الممكن أن نحسّ بمشاعر قوية ـ إيجابية كانت أو سلبية ـ من غير بكاء؟ أحد التفسيرات النظرية هي أن البكاء هو بمثابة إرسال إشارة اجتماعية: إنه يظهر للآخرين شيئًا مهمًا حول ما نشعر به. أما بالنسبة إلى الدموع السلبية، فتقول النظرية إنها إشارة لطلب المساعدة. لكنْ، ماذا عن دموع الفرح؟

تقول إحدى النظريات إن دموع الفرح تدلّ على أن الشخص يتمتع بصفاتٍ، أو سماتِ شخصيّةٍ إيجابية، ما يعني أنه ليست لديه نوايا عدوانية تجاه الآخر. أما الإشارة الدقيقة التي ترسلها الدموع فتختلف بين الأنواع الأربعة: قد تدلّ دموع الإنجاز بشكل خاص على الكفاءة والسيطرة المُطمْئِنة، والدموع الجمالية على الانفتاح والقدرات الفكرية، في حين تدلّ الدموع العاطفية على دفء المشاعر، ودموع التسلية على المرح والبشاشة. وهكذا، يمكن لدموع الفرح، بهذه الطرق جميعًا، أن تُظهر أن الشخص لا يشكّل تهديدًا، وأنه توّاق ليكون قريبًا من الآخرين، ما يطوّر بدوره التماسكَ والترابط الاجتماعي. ولهذا يمكن القول إن الدموع هي المفتاح البصريّ الأساسي الذي يمكّن زيادة التواصل والنشاط الاجتماعي بين البشر ويعزّزه.

علاوة على ذلك، إن درجة تعبيرك عن الدموع الإيجابية تتوقف بالطبع على شخصيتك. بدايةً، يبدو أن سماتِ الشخصية تؤثر على عدد المرات التي نذرف بها الأنواع المختلفة من دموع الفرح. وقد وجدنا أن الأشخاص المنفتحين، الثرثارين، والاجتماعيين يختبرون دموع الإنجاز، أو دموع الجمال، أكثر من غيرها؛ أما الأشخاص الرضيّين، المتعاطفين، والمؤيدين للمجتمع، فيميلون أكثر إلى ذرف الدموع العاطفية؛ في حين أن الذين يتمتعون بعقل منفتح ومواقف تحررية يذرفون دموع الجمال.

يتفاوت الناس أيضًا في ميلهم العام لذرف دموع الفرح. على سبيل المثال، البشر كثيرو التعاطف هم أكثر ميلًا للدموع الإيجابية. وهذا أمر منطقي بالطبع، بما أن هؤلاء الأفراد يتجاوبون بشدة مع مشاعر الآخرين، ما يحرّض ردود أفعالهم العاطفية. يتوقف الأمر أيضًا على العمر. فقد وجدنا في بحثنا هذا أن الميل لذرف دموع الفرح يزداد خلال سنوات النضج، إلى أن يبلغ أعلى مستوى له في الأعمار بين 60 إلى 75، قبل أن يعاود الانخفاض مرة أخرى. أخيرًا، لاحظنا أن النساء أكثر عرضة لذرف دموع إيجابية من الرجال؛ على الرغم من أن الفارق أقل وضوحًا مما هو في حالة الدموع السلبية، ربما لأن الأعراف الاجتماعية المتعلّقة بتعبير الرجال عن مشاعر إيجابية أقلّ.

إذا لم تكن تميل إلى البكاء في الحالات السعيدة، فهنالك بالطبع طرق أخرى عديدة للتعبير عن العاطفة والفرح. لكنْ، إذا كنتَ بكّاءً سعيدًا، تقبّل الحالة. فذرف دموع الفرح يقترن بصحة جسدية وعقلية أفضل، والمشاعر الإيجابية التي تُختبر خلال دموع السعادة تزيد الرضا الحياتيّ والقدرة على التكيف. لذلك، في المرة القادمة التي يحدث فيها هذا، خذْ بعض الوقت، وحاول أنْ تلاحظ نوع الحدث الذي أطلق تلك الدموع، وأنْ تتبيّنَ الإشارة التي تحاول إرسالها إلى الآخرين حولك؛ ثم أطلقْ العنان لدموعك!

***

جانيس زيكفيلد: باحث في مرحلة ما بعد الدكتوراة في مجال علم النفس الاجتماعي، قسم الإدارة في جامعة آرهوس، الدنمارك. له دراسات وبحوث عديدة في مجال علم نفس المشاعر، علم النفس الإيجابي، علم نفس الثقافة، دموع الفرح، الكاما موتا، وغيرها.

رابط النص الأصلي:

https://psyche.co/amp/ideas/theres-something-in-my-eye-the-real-reasons-for-happy-tears

ترجمة: سارة حبيب.

ضفة ثالثة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى